الخميس، 28 مارس 2024

هل الله سبحانه وتعالى يُرى في المَنام؟

هل الله سبحانه وتعالى يُرى في المَنام؟
والجواب:
نعم، الله سبحانه وتعالى يُرى في المنام.
وهذا ثابت بالسنّة النبويّة الشريفة، ومن خلال الواقع، أيضاً.

ويُرى عزّ وجل على حالتين:

الحالة الأولى: يُرى سبحانه وتعالى في صورة القمر بدراً وله نورٌ ساطع.
ولا يوجد دليل شرعي صريح على ذلك.
ولكن، روي عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: "نُورٌ أَنَّىٰ أَرَاهُ"؟.
• وفي رواية: "رَأَيْتُ نُوراً". رواه مسلم.
واختلف ما مراد النبي بهذه الرؤية، هل هي رؤية منام، أم أنها رؤية حقيقة وقعت له ليلة الإسراء إلى السماء.
فقد روى الترمذي في جامعه: عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا أنا أسير في الجنة، إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ، قلت للملك: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله، قال: ثم ضرب بيده إلى طينة فاستخرج مسكا، ثم رُفعت لي سدرة المنتهى فرأيت عندها نورا عظيما ": 
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح قد روي من غير وجه عن أنس.
فلا يُدرى ما عَنَى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "فرأيت عندها نوراً عظيما" فقوله: "عندها" ينفي أن يكون هذا النور ساطع منها، لذلك يُعتقد، أن هذا النور الذي رآه النبي هو نور الله تعالى المنبعث من ذاته، وأن هذا ما عناه بقوله لأبي ذر رضي الله عنه: "رأيت نورا" أو "نورٌ أنّا أراه.
لذلك المرجع في معرفة كون الله تعالى يرى في المنام على صورة القمر بدراً، إنما هو التجربة.
ولن يعجز الرائي أن يميّز بين ما هي رؤيا حق، أو رؤيا من الشيطان، بحسب ما تفيده الرؤيا التي رآها الشخص، وما يفهم منها.
وأعرف شخصان رأوا الله في هذه الصورة، أحدهما أعرفه معرفة تامّة، والأخر تربطني به علاقة وثيقة، وأعرف صدقه وأمانته، أحسبه والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا، لكن هذا عِلْمي به، والله أعلم به.
ولكل راءٍ، لرؤياه سبب أوجبت رؤيته لله تعالى على تلك الصورة، مما يؤكد صحة ما رآه.
والذين رأوا الله عز وجل على هذه الهيئة، قالوا بأنهم رأوا شيئاً شبيهاً بالقمر، مستدير، ولكن ليس فيه محو، كما هو حال القمر، بل كله أبيض شديد البياض، وضوؤه شبيه بضوء القمر، إلا أنه أشدّ سطوعاً وأبهى ضوءاً، وضوؤه يغمر المكان، لا تحدّه الأشياء، وليس له ظلّ.
فهنا نعلم أن الله تعالى وتقدس، تجلّى للرائي في صورة تشبه صورة القمر بدراً.

الحالة الثانية: شاب أمرد وسيم.
وقد ورد في ذلك دليل من السنّة.
فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، قال – القائل هنا ابن عباس - أحسبه قال في المنام، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا، قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها – وفي رواية: برد أنامله - بين ثديي أو قال: في نحري، فعلمت ما في السماوات وما في الأرض" .. الحديث 
رواه الترمذي بسند حسن.

فقوله: "فوضع يديه بين كتفي، حتى وجدت بردها أو برد أنامله بين ثديي" دليل على أن الصورة التي رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربّه فيها، في تلك الرؤيا، كانت تشبه صورة إنسان.

وعن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " رأيت ربي جعدا أمرد عليه حلة خضراء "
وفي رواية: " أنه رأى ربه، عز وجل، شابا أمرد جعدا قططا في حلة خضراء ".
وفي رواية: " رأيت ربي، عز وجل، في حلة خضراء في صورة شاب عليه تاج يلمع منه البصر "
وفي رواية: " رأى ربه جل ثناؤه جعدا قططا أمرد في حلة حمراء ".

وقوله: "في حلة حمراء" وهمٌ من الراوي، والصواب كما ورد في باقي الروايات.

وهذا الحديث حديث صححه أهل العلم، وقبلوه.
وممن صحّحه:
الإمام أحمد بن حنبل، ورد ذلك في كتاب المنتخب من علل الخلال لابن قدامة المقدسي. وذكر ذلك أبو يعلى في إبطال التأويلات.
وأبو زرعة الرازي، والطبراني، وأبو الحسن بن بشار، وابن صدقة، ذكر ذلك أبو يعلى الحنبلي في إبطال التأويلات.
ولم يضعّف هذا الحديث سوى المعطلة من المفوضة والمتأولة، مثل ابن الجوزي والسبكي، ومن تأثر بهم من مميعة السلفية مثل الذهبي، وهؤلاء لا عبرة بقولهم، ولا قيمة لحكمهم.
وروى أبو يعلى عن سليمان بن أحمد أنه قال: سمعت ابن صدقة الحافظ، يقول: من لم يؤمن بحديث عكرمة فهو زنديق".
وروى أبو يعلى عن البرذعي، أنه قال: سمعت أبا زرعة الرازي، يقول: من أنكر حديث قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " رأيت ربي، عز وجل، " فهو معتزلي".
وروى أبو يعلى عن أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم، يقول: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حديث حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: " رأيت ربي " الحديث، فقال أحمد بن حنبل: هذا حديث رواه الكبر عن الكبر عن الصحابة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فمن شك في ذلك أو في شيء منه فهو جهمي لا تقبل شهادته، ولا يسلم عليه، ولا يعاد في مرضه.

وعن أم الطفيل، امرأة أبي بن كعب، أنها قالت: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يذكر: " أنه رأى ربه في المنام في صورة شاب موفر، رجلاه في خضر، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب ".
وفي رواية: " رأيت ربي في المنام في خضر من الفردوس إلى أنصاف ساقيه، في رجليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب ".
وفي رواية: " أنه رأى ربه في النوم في صورة شاب ذي وفرة، قدماه في الخضر، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب ".

وهذا حديث استنكره الإمام أحمد، وسبب استنكاره هو عدم معرفته بمروان بن عثمان أحد رجال سند هذا الحديث،
إلا أنه أمر بالتحديث به، لان متنه صحيح عنده، فحديث أم الطفيل وحديث ابن عباس يُصحّح بعضهما بعضاً.

بينما صحّحه أبو الحسن بن بشّار، وصححه أبو زرعة الرازي،  ذكر ذلك ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة.

قال أبو يعلى الحنبلي: " وأخرج إلي أبو إسحاق البرمكي جزءا فيه حكايات عن أبي الحسن بن بشار رواية أبيه أبي حفص، عن أبيه أحمد بن إبراهيم، قال: سألت الشيخ يعني أبا الحسن بن بشار عن حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس في الرؤيا، فقال: صحيح، فعارض رجل، فقال هذه الأحاديث لا تذكر في مثل هذا الوقت، فقال له الشيخ: فيدرُس الإسلام؟! فسكت".

قال أبو زرعة: " قال أبو زرعة: كل هؤلاء لهم أنساب قوية بالمدينة، فأما مروان بن عثمان فهو مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي الأنصاري، وأما عمارة فهو ابن عامر بن عمرو بن حزم صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن الحرث وسعيد بن أبي هلال فلا يشك فيهما، وحسبك بعبد الله بن وهب محدثا في دينه وفضله".
فبيّن أبو زرعة أن مروان بن عثمان ليس مجهولاً، وبهذا ينتفي السبب الذين من أجله استنكر الإمام أحمد هذا الخبر لأجله.
لذلك قال أبو يعلى الحنبلي تعليقا على تصحيح أبي الحسن بن بشار لهذا الحديث: "فقد حكم بصحة الحديث، وقد يجوز أنه لم يقع لأحمد معرفة مروان بن عثمان في حال ما سأله مهنا، ثم وقع له معرفة نسبه فيما بعد".
وعلّق أبو يعلى على قول أبو زرعة فقال: " وظاهر الكلام من أبي زرعة إثباتا لرجال حديث أم الطفيل، وتعريفا لهم وبيانا عن عدالتهم، وهو ظاهر ما عليه أصحابنا لأن أبا بكر الخلال ذكر حديث أم الطفيل في سننه ولم يتعرض للطعن عليه".
وروى أبو يعلى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: رأيت أبي يصحح هذه الأحاديث ويذهب إليها وجمعها وحدثناها، وقد ذكر ذلك عبدالله بن حنبل في كتابه السنّة.
وروى أبو يعلى عن عبدالوهاب الورّاق أنه قال: سمعت أسود بن سالم يقول في هذه الأحاديث التي جاءت في الرؤية، قال: نحلف عليها بالطلاق والعتاق أنها حق.

وبطبيعة الحال، فقد ضعفه المعطلة، وهؤلاء كما قلت سابقاً، لا عبرة بأقوالهم، ولا قيمة لأحكامهم.

وجمع هذه الروايات أبو يعلى الحنبلي، في كتابه إبطال التأويلات، وهذا الكتاب، أي كتاب إبطال التأويلات، يشتمل على الغث والسمين، وهذه الأحاديث من الأحاديث السِمان التي اشتمل عليها.

وانظروا إلى قول الشيخ أبي الحسن بن بشار، عندما أراد منه رجل أن لا يحدث بهذا الحديث، فقال له: "فيدرُس الإسلام"

فهذا ما وقع من أكثر المنتسبين للمدرسة السنيّة السلفية، فغنهم لما أرعبتهم شقاشق المتكلمين، واجلبت عليهم الشياطين تخوّفهم وتشنّع عليهم، وتقبّح لهم رواية هذه الأحاديث، فسكتوا عنها، بل منهم من اجتهد في تضعيفها وتكذيبها، بدعوى أنها تسيء للمذهبن ووالله ما يسيء للمذهب غيرهم، وجنايتهم على الغسلام بذلك عظيمة، فقد أعانوا على دروس الإسلام والسنّة، وانتشار البدعة والضلالة.

حتى أبو يعلى الحنبلي، في كتابه ابطال التأويلات، يأتي بغرائب، وذلك بسبب اطراحه على المتكلمين وتلقيه العِلم عنهم، ومجالسته لهم، فيتأول الأحاديث على غير تأويلها.

وأما بالتجربة، فأنا أعرف شخصاً معرفة تامّة رأى الله تبارك وتعالى في صورة شابٍّ أمرد.

وكذلك سمعت أحدهم في بثٍّ مع أحد المعبِّرين، يقول بانه راى الله تبارك وتعالى في صورة رجل عظيم الخِلقَة.

وقد سمعت ايضاً لإحدى النساء، في بثٍّ مع أحد المعبِّرين، تحكي أنها رات الله تعالى في المنام، ولكنها لم ترى له صورة ولم تقابله، بل قالت بانه كان يخاطبها عن طريق الإيحاء بلا صوت وبينه وبينها شجرة، كأنها حجاب بينه وبينها، لذلك هي لم ترى الله تعالى، ولكنها شعرت بوجوده، وحديثه معها عن طريق الإيحاء.

ومنهم من خاطبه الله تعالى بصوته، وهذا وقع للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغني أن أحداً سمع صوت الله تعالى في منامه.

فهذه هي الهيئات التي يُرى فيها الله تبارك وتعالى في المنام.

وقد سمعت لأحدهم يقول: بأن الله يرى في صورة خُضْرَة أو مياهاً تجري.
والجواب على ذلك: أن هذا غير صحيح، ولم يرد في السنة الصحيحة شيء من ذلك.
روى ابن أبي حاتم في تفسيره: عن أبي العالية قال: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ قال: «رأيت نهرا، ورأيت وراء النهر حجابا، ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير ذلك».
وهذا حديث ضعيف، وهو مرسل، لأن أبا العالية لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.
ويظهر أن من قال بان الله يرى في المنام خضرة أو مياهاً تجري، استند على هذا الحديث.
وإن صحّ هذا الحديث، فإن النبي في هذا الحديث لم يرى الله خُضْرة أو مياهاً تجري، بل رأى نور الله تعالى.
ولكن في هذا الحديث لم يبيّن هل رآه يقظة ليلة الإسراء إلى السماء، أو رآه مناماً.

وبالإجماع، فإنه لا يمكن رؤية الله تعالى إلا بعد الموت، وعلى هذا أدلة من القرآن والسنة.

فالدليل من القرآن، هو قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِیۤ أَنظُرۡ إِلَیۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِی وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِیۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكࣰّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقࣰاۚ فَلَمَّاۤ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [الأعراف ١٤٣]

والدليل من السنة، هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الدجّال:
" تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ" اهـ
رواه مسلم.

ولكن هل رؤية الله تعالى بذاته في المنام ممكنة؟
كثير من أهل العلم يقولون أنه مجرّد مثال أو خَيَال أو حجاب، أو نحو ذلك، 
ولكن هذا فيه نظر، لأنه في حديث ابن عباس، أن النبي قال: "رأيت ربي في أحسن صورة" وأن الله قال له: "فيما يختصم الملأ الأعلى".
وفي حديث الشاب الأمرد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ربّي".
فظاهر الأحاديث أن رؤية الله في المنام ممكنة، وأن الله تعالى يتهيأ في مخيلة العبد في صور شتّى.
ثم هل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم، سوف يصف ذلك المثال أو الخَيَال أو الحجاب، بأنه ربّه، هذا محال.
فدلّ ذلك على أن رؤية الله تعالى نفسه لا شيء غيره في المنام جائزة.
ولا يوجد في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك، بل الأدلة الشرعية على جواز وقوعه، فالأدلة الشرعية إنما وردت بنفي رؤية الله في اليقظة عياناً في الدنيا.
وأما احتجاج أهل العلم على عدم رؤية ذات الله تعالى في المنام، بأن الله تعالى لا يماثله شيء ولا يشبهه شيء، بأي وجهٍ من الوجوه، واستدلالهم على ذلك، بقوله تعالى: "ليس كمثله شيء" وقوله تعالى: "هل تعلم له سميّا" 
فهذه الآية، قد بيّنت في كتابي: صفات الله عز وجل بفهم العرب الأمّيين الذين أنزل الوحيان بلغتهم. أنه لا تعني ما ذهبوا إليه، من عدم وجود تشابه بين صفات الله تعالى وصفات خلقه. بل الأدلة الشرعية قاطعة بوجود هذا التشابه في المعنى وفي الكيف أيضاً.
ولكن علماء أهل السنة، قومٌ أرعبتهم شقاشق المتكلمين.
حتى صاروا يخافون من إثبات التشابه بين صفات الله وصفات خلقه في المعنى والكيف.
مع أن الأدلة الشرعية قاطعة بذلك!
ولكنه الخَوَر والجُبْن.

والله الهادي إلى سواء السبيل.
والله وحده أعلم وأحكم.